رهانات واشنطن ودمشق - هيثم مزاحم

رهانات واشنطن ودمشق

كانون الأول (ديسمبر) 2005 صحيفة البيان الإماراتية


هيثم مزاحم


خلال لقاءاتي الصحافية مع مسؤولين أميركيين هذا الشهر لاحظت تغيراً في المقاربة الأميركية للضغوط والعقوبات على سوريا. ففي زيارتي لواشنطن في ديسمبر 2004.

والتي جاءت بعد شهرين من صدور القرار 1559 كان المسؤولون الأميركيون يطالبون سوريا بضرورة الانسحاب الكامل من لبنان ويهددونها بعقوبات أميركية إضافية إذا لم تستجب للمطالب الأميركية المتعلقة بلبنان وفلسطين والعراق وفقاً لقانون «محاسبة سوريا» الذي أصدره الكونغرس الأميركي.

وفعلاً بعد نحو شهر أصدرت الإدارة الأميركية عقوبات اقتصادية على سوريا فيما تلا ذلك اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في فبراير الماضي، ومن ثم انسحاب القوات السورية من لبنان في ابريل الماضي تنفيذاً للقرار 1559 واستجابة لضغوط دولية وتحديداً أميركية- فرنسية.

أما اليوم فلا يتحدث الأميركيون عن عقوبات أميركية على سوريا، ويذكرون أنهم لا يستبعدون أياً من الخيارات تجاهها بما فيها الخيار العسكري، لكنهم يفضلون الحديث عن إجراءات في إطار مجلس الأمن الدولي ويقولون إن مشكلة دمشق ليست مع واشنطن بل هي مع المجتمع الدولي بسبب سياساتها تجاه العراق ولبنان والفلسطينيين وإسرائيل.

مفهوم أن مأزق الأميركيين في العراق بعد غزوهم له رغم المعارضة الدولية والأوروبية له وتحديداً فرنسا وألمانيا وطبعاً روسيا والصين، قد جعلهم يتراجعون عن التوجه الأحادي والعودة للعمل ضمن إطار مجلس الأمن، وخاصة مع حلفائهم الأوروبيين إذا تعذر الإجماع الدولي بسبب معارضة روسيا أو الصين للسياسات الأميركية.

هذه المقاربة الأميركية تتجلى في الحرص على صدور قرارات مجلس الأمن ضد سوريا بالإجماع وعدم استفزاز روسيا من جهة، وتجنب إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن في الوقت الراهن تاركة المجال للثلاثي الأوروبي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) وروسيا لإقناع طهران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم والبرهنة على أن برنامجها النووي سلمي يخضع للمعاهدات الدولية ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة النووية.

قد تبدو تلك السياسة الأميركية تجاه سوريا تراجعاً أميركياً وليونة من قبل واشنطن تجاه دمشق وقد يشعر النظام السوري بالطمأنينة بعدم رغبة أميركا بتغيير النظام حالياً إنما ترغب بتغيير السلوك السوري، وذلك لعدم وجود بديل جاهز لهذا النظام.

ولاحتمال أن يكون البديل هو الفوضى أو الإخوان المسلمين والقاعدة، وهو سيناريو يثير مخاوف الحكومات الغربية والعربية التي تخشى تكرار سيناريو العراق. لكن الخطة الأميركية تعتزم عزل سوريا دولياً وعربياً .

وتكثيف الضغوط عليها سياسياً وإعلامياً واقتصادياً، وصولاً إلى فرض عقوبات اقتصادية دولية عليها وتمهيداً للجوء إلى الخيار العسكري وتغيير النظام السوري أخيراً في حال رفضت دمشق تغيير سياساتها وفق ما تشتهيه واشنطن.

ويعتبر المسؤولون الأميركيون أن سياسة الضغط والعزل قد نجحت مع سوريا في لبنان فهي قد انسحبت من لبنان بناء على القرار 1559 ووافقت على استجواب مسؤولين سوريين في فيينا بناء على القرار 1636،.

ولذلك تراهن الإدارة الأميركية على التغير التدريجي للسياسات السورية تجاه لبنان والعراق والسلطة الفلسطينية، بينما تراهن دمشق على كسب الوقت وامتصاص الضغوط الدولية والأميركية إلى أن يقضي الله أمراً كان مقضياً.

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

السيرة الذاتية للدكتور هيثم مزاحم

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم