هل الإيرانيون عقلانيون؟ رؤية إسرائيلية



هل الإيرانيون عقلانيون؟
بقلم رؤوبين بدهتسور


السؤال الرئيس هو هل ستتصرف ايران المسلحة بسلاح ذري مثل دولة عقلانية؟
اذا لم يكن ممكنا ردع قادة ايران عن اطلاق السلاح الذري على اسرائيل لأن تقديراتهم وقراراتهم ليست في الصعيد العقلاني، فان ايران الذرية ستكون حقا تهديدا وجوديا لا تستطيع اسرائيل التسليم به. ويبدو في هذه الحال انه لن يكون ثمة مناص من الهجوم ومحاولة القضاء على برنامج ايران الذري. وفي مقابل هذا اذا كان الافتراض ان آيات الله في طهران عقلانيون فانه يمكن الاعتماد على ردع اسرائيلي ملائم ونستطيع ان نحيا ايضا في ظل القنبلة الايرانية.
ان مقرري السياسة في اسرائيل يواجهون اليوم معضلة غير سهلة. هل الفروض الأساسية التي كان يقوم عليها الردع المتبادل في الحرب الباردة قابلة للتطبيق ايضا على الحالة الايرانية؟ وهل ستكون تقديرات زعيم مسلم في طهران تشبه تقديرات من كان يحل في الكرملين؟ وهل ورثة آية الله الخميني مستعدون للانتحار والافضاء الى القضاء على الشعب الايراني كي يقتلوا فقط بضع مئات آلاف من مواطني الكيان الصهيوني البغيض؟
تفحصت البروفيسور أوبرا سلكتر من معهد غراتس في بنسلفانيا الأدبيات المتشعبة التي تتناول هذه القضية ووجدت ان نحوا من ثلثي الباحثين يعتبرون من "المتفائلين الذريين"، المقتنعين بأن ايران الذرية ستتصرف كدولة عقلانية وسيمكن لهذا ردعها عن استعمال سلاحها الذري. والباحثون الباقون هم "المتشائمون الذريون". وايران في تقديرهم ليست دولة عقلانية ولهذا لا يجوز الاعتماد على القدرة على ردعها.
يُبين تحليل الدعاوى والتعليلات ان المتفائلين يعبّرون عن موقفهم بصورة أكثر اقناعا. فهم يزعمون ان ايران تطور سلاحا ذريا بسبب تجربتها المريرة في الحرب مع العراق في الثمانينات لا كي تستعمله على جاراتها أو على اسرائيل. وتطوير السلاح الذري هو اختيار ايراني عقلاني لأن هذا هو رد دول في العالم الثالث على تهديدات قوى الغرب العظمى وحليفاتها (وليس عجبا ان قال وزير الدفاع ايهود باراك انه لو كان ايرانيا لطمح هو ايضا الى تطوير سلاح ذري).
ان مجرد امتلاك سلاح ذري قد يجعل النظام الايراني معتدلا كما أصبح النظام الصيني معتدلا، وهو الذي كان يُرى متطرفا وخطيرا في 1964 منذ اللحظة التي تسلح فيها بالقنبلة الذرية. والهدف الأساسي للقادة الايرانيين كما هي الحال في كل نظام هو البقاء في الحكم، والبقاء هو الغاية العليا ايضا لقادة دول مارقة. ويبدو ان المتشائمين يفرطون في عدم العقلانية الذي ينسبونه الى القيادة الايرانية. وينبغي لمن يتحدثون عن “الطغاة المجانين في طهران” ان يذكروا الطاغيتين “المجنونين” في الحرب الباردة، ستالين وماو تسي تونغ اللذين تصرفا بعقلانية خالصة على الصعيد الذري.
وتعلمنا التجربة التاريخية ايضا ان القيادة الايرانية تتصرف بصورة عقلانية تماما حينما يكون الحديث عن احتمال ان تدفع ثمنا باهظا لاستعمال قوة عسكرية، وهكذا فانه حتى آية الله الخميني الذي عُرض باعتباره زعيما غير عقلاني على نحو سافر، تصرف بعقلانية خالصة حينما بدأ العراقيون يطلقون صواريخ باليستية على طهران.
ان الخميني الذي أعلن قبل ذلك أنه لن يوقع بأية حال من الاحوال اتفاق هدنة مع العراق الى ان يستسلم بالكامل، اضطر الى التسليم بالوضع الجديد الذي نشأ مع سقوط الصواريخ في قلب العاصمة الايرانية، وان يوقع على اتفاق هدنة مع صدام حسين.
هذا هو موضع تأكيد الخطأ الاسرائيلي بتعظيم التهديد الايراني وعرضه على أنه تهديد وجودي لاسرائيل. فقدرة اسرائيل على الردع كافية لتثني كل حاكم ايراني عن ان يفكر حتى في اطلاق سلاح ذري عليها. حان وقت الكف عن التلويح بفزاعة التهديد الوجودي والامتناع عن تصريحات قتالية تُحدث احيانا تصعيدا خطيرا.

نقلاً عن صحيفة النهار اللبنانية

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

السيرة الذاتية للدكتور هيثم مزاحم

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم