الباحث الاستراتيجي هيثم مزاحم: استراتيجية أميركية – إسرائيلية لاستنزاف سوريا

حوار: وفاء العرفاوي - صحيفة المغرب التونسية

 الدكتور هيثم مزاحم هو باحث استراتيجي ومحلّل سياسي لبناني متخصص في شؤون الشرق الأوسط والإسلاميات. وهو مساهم منتظم في صحيفة الحياة، وصحيفة البلد، وموقع المونيتور الأميركي، وموقع اتلانتيك بوست الأميركي، فضلا عن المجلات السياسية والأكاديمية العربية. وقد نشر مزاحم كتابين هما: حزب العمل الإسرائيلي "1968-1999" (العربية) في عام 2001، والصراع على الشرق الأوسط (2013)، وله كتابان تحت الطبع بعنوان "تطور المرجعية الشيعية: من الغيبة إلى ولاية الفقيه"، و"كيف تحدث الثورات؟". وقد ساهم في ستة كتب أخرى، اثنين عن التيارات السياسية والفكرية في إيران (2011)، وكتاب بعنوان: "ثورات قلقة" (2012)، وكتاب عن "إيران والإخوان المسلمين" (2013)، وكتاب السلفية المتحوّرة(2013)، وكتاب "الجهاديون في مصر"(2014). حاوره موقع البديع في بيروت وفي ما يلي نص الحوار:



ماهي رؤيتكم للمشهد السياسي في سوريا ؟

المشهد السياسي في سوريا ضبابي والمأساة مستمرة بل تزداد كارثية كل يوم بازدياد عدد القتلى والجرحى والمشرّدين والنازحين واستمرار الدمار والحرب.
لا يبدو أن ثمة حلاً سياسياً في الأفق المنظور بالرغم من الحديث عن مساعي أميركية روسية لعقد مؤتمر جنيف 3.


هل تتحدى دمشق "المجتمع الدولي" بإعلانها موعد الانتخابات الرئاسية؟

لا يوجد شيء اسمه مجتمع دولي، هناك الغرب هو الذي يسمّي نفسه مجتمعاً دولياً ويعتبر كل المعارضين له والمخالفين لسياساته خارجين على المجتمع الدولي. ما هو موقف هذا المجتمع الدولي من إسرائيل مثلاً ومن قضية الشعب الفلسطيني؟ صمت مطلق. أما بشأن الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية السورية، فإن الرئيس السوري بشار الأسد يتصرف كرئيس دولة ذات سيادة ولا يريد ترك أي فراغ دستوري في السلطة وهي يريد إجراء الانتخابات برغم الحرب مع المعارضة المسلحة والمقاتلين الأجانب وبرغم الاعتراضات الغربية والخليجية.
ثم أن فشل مؤتمر جنيف 2 واستمرار الغرب وتركيا وبعض الدول الخليجية في تسليح ودعم المعارضة المسلحة لا يترك أمام النظام السوري أي خيار إلا التصلّب في موقفه والتصرّف بسلطاته لجهة التمسك بشرعيته. ولماذا يقدم تنازلات في وقت الحرب لا تزال مستمرة على الجبهات كافة وبدعم الدول الخارجية كافة؟

ما تفسيركم للموقف الأمريكي المتذبذب تجاه الملف السوري؟ 

الموقف الأميركي ليس متذبذباً. والأميركيون ليسوا سذجاً. هي استراتيجية أميركية – إسرائيلية لاستنزاف سوريا، دولة وجيشاً وشعباً، لمصلحة إسرائيل وأميركا، وكذلك استنزاف حلفاء سوريا في إيران وحزب الله. ولا يضير أميركا وإسرائيل مقتل الآلاف من الطرفين وتدمير سوريا وهدر أموال العرب والمسلمين في هذه الحرب العبثية من كلا الطرفين. المشكلة أننا نفرض تمنياتنا على الموقف الأميركي ونصفه بالضعيف والمتذبذب وكأن الولايات المتحدة تعمل عند بعض الدول العربية أو المعارضة السورية. ثم بالنسبة للأميركيين، ليس هناك بديل عن النظام السوري، والبديل الأقوى هو التنظيمات الجهادية من "الجبهة الإسلامية" إلى "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" ومعظمها يتبنى ايديولوجيا تنظيم القاعدة ويشكل خطراً على مصالح الغرب وإسرائيل في المستقبل. فليس هناك وضع أفضل للغرب وإسرائيل من استمرار هذه الحرب شرط عدم توسعها إلى دول أخرى حليفة لأميركا مما يهدد مصالحها أو يهدد الأمن الإسرائيلي.

ما هي قراءتكم للموقف الإيراني تجاه الأزمة السورية  بعد مطالبتها بحوار إقليمي متعدد الأطراف لحل الأزمة السورية ؟

إيران في موقف لا تحسد عليه. فهي من جهة ترفض سقوط النظام السوري الحليف لها ولحزب الله في لبنان، والذي دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي بقوة. لكنها من جهة أخرى تريد وقف هذا النزيف السوري لما يشكّله من تهديد للدولة السورية وللأمة الإسلامية من حيث تصاعد الفتنة السنّية الشيعية ومخاوف امتدادها إلى جميع العالم الإسلامي، بعدما وصلت تداعياتها وشراراتها إلى العراق ولبنان. لكن إيران وحدها لا يمكنها حل هذه الأزمة بل ينبغي تعاون الدول الكبرى، وبخاصة أميركا وروسيا، والدول الإقليمية المجاورة، وبخاصة تركيا والسعودية. لكن الأخيرتين ترفضان الدخول في أي حل سياسي مع نظام الأسد وتصرّان على إسقاطه، ما يعيدنا إلى المربع الأول، مربع الحرب.

ما مدى تأثير الازمة السورية على المشهد اللبناني؟

لبنان بلد صغير حدوده البرية فقط مع سوريا من الشمال والشرق بينما تحده فلسطين المحتلة من الجنوب والبحر المتوسط من الغرب. وبسبب حالة الحرب مع الكيان الإسرائيلي، فإن سوريا هي المدى الحيوي للبنان باتجاه العالم العربي، فضلاً عن العلاقات التاريخية والسياسية بين لبنان وسوريا. فقد كانت دمشق مؤثرة في السياسة اللبنانية منذ أكثر من خمسة عقود، وتمكنت من التحكم بالدولة اللبنانية منذ العام 1990 وحتى العام 2005. من هنا فإن الانقسام في سوريا بين السلطة والمعارضة، وبين الطوائف السورية، ينعكس على الانقسام السياسي والطائفي في لبنان، بين مؤيد للنظام وداعم للمعارضة. فقد قامت مجموعات إسلامية وسلفية سنّية وحتى تيار المستقبل بزعامة سعد الدين الحريري بدعم المعارضة السورية بالسلاح والمال والرجال وتهريب السلاح عبر الحدود إلى سوريا. في المقابل، تدخل حزب الله بالقتال إلى جانب الجيش السوري وساهم في هزيمة قوات المعارضة المسلحة والمقاتلين الأجانب في القصير وريف دمشق والقلمون. كل ذلك انعكس توتراً في الوضع السياسي والأمني في لبنان من اشتباكات مستمرة في طرابلس لأكثر من ثلاث سنوات، وتفجيرات انتحارية ضد مناطق لبنانية محسوبة على حزب الله خلال الأشهر الماضية. مؤخراً تم تشكيل حكومة وحدة وطنية ضمت فريقي 8 آذار و14 آذار وتمكنت الحكومة من وقف اشتباكات طرابلس، كما ساهم سقوط مدينة يبرود في سوريا والبلدات الأخرى في القلمون، واعتقال عدد من مدبري التفجيرات، في تراجع هذه التفجيرات. لكن الانقسام السياسي لا يزال على حاله، إضافة إلى التأثيرات السلبية للحرب السورية وعدم الاستقرار السياسي والأمني على الاقتصاد اللبناني المثقل بوجود أكثر من مليون لاجئ سوري صاروا يشكلون نحو ربع السكان في لبنان.

ما مدى صحة ما يراه محللون بأن الولايات المتحدة تسعى لإيجاد تسوية سياسية تحفظ الدولة ومؤسساتها، على أن تستكمل عملية بناء منظومة حكم جديدة في مراحل لاحقة من خلال عملية سياسية داخلية؟

كما ذكرت سابقاً. الولايات المتحدة غير جادة وغير مستعجلة للتوصل إلى حل سياسي سريع في سوريا، وإلا لكانت ضغطت على تركيا والدول الخليجية الممولة للمعارضين لوقف عملياتهم العسكرية في مقابل الضغط الروسي على النظام والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وبحث تسوية سياسية. كما أن واشنطن تواصل تسليح المعارضة وتدريبها في الأردن، برغم محاولتها التفريق بين دعم معارضة إسلامية معتدلة وعزل التنظيمات المتطرفة الإرهابية كجبهة النصرة وداعش. فإذا لم تتوصل الدول الإسلامية والعربية المجاورة لسوريا إلى تفاهم بشأن الأزمة السورية يضع حداً للحرب وينتج عنه حكومة وحدة وطنية وعودة اللاجئين والنازحين وبدء إعادة الإعمار، فإن الحرب ستتستمر لخمس أو عشر سنوات مقبلة وربما أكثر.  

Comments

Popular posts from this blog

مقامات الأنبياء والرسل في لبنان

السيرة الذاتية للدكتور هيثم مزاحم

أسباب الصراع بين المماليك والعثمانيين- مراجعة: د. هيثم مزاحم